الاثنين، 23 أغسطس 2010

من مقدمة الكتاب :


من مقدمة الكتاب :

كان الشعر.ولا يزال .هو ديوان العرب- كما يقال – رغم ظهور أشكال جديدة من الإبداع الأدبي والفني عموما 0ومنطقة الجوف.مثل مناطق كثيرة أخرى في المملكة العربية السعودية.عامرة بمجالس الشعر والشعراء. وأهلها مولعون بقرض الشعر وبروايته وتناقله .والواقع إن الشعر لعب دورا أساسيا في توثيق الكثير من الحوادث التاريخية في المنطقة قبل انتشار التعليم عندما كان هناك قصور في التوثيق المكتوب وكان الأدب الشفهي ممثلا بالشعر والأمثال والحكايات الشعبية هو السائد .وبطبيعة الحال .فان الشعر النبطي (أو الشعبي) كان هو الأقرب إلى قلوب الناس وذلك من منظور تاريخي إذا ما وضعنا في اعتبارنا أن التعليم المنهجي لم يكن شائعا في هذه المنطقة أو في غيرها من مناطق المملكة إلا في العقود الستة أو السبعة الأخيرة 00 ولهذا فان الشعر الشعبي كان تصويرا تلقائيا وأمينا لمشاعر الناس باللغة التي يفهمها الجميع 0 بل إن هذا الواقع التاريخي ربما كان هو السبب الرئيسي في تميز الشعراء حسب مواهبهم الشخصية الإبداعية 00 فالقاموس اللغوي متاح للجميع . واللغة التي يقولون بها الشعر هي اللهجة المحكية من الجميع 00 ولذا صار التميز متمثلا في ما يملكه الشاعر من قوة الخيال والبراعة في التصوير وانتقاء اللفظة المعبرة والوحية00 ومن ثم فقد برز شعراء متميزون في حين ظل قرض الشعر هواية يمارسها كثيرون وربما الجميع بشكل أو بآخر! لكن اللافت للنظر هو أنه رغم انتشار التعليم في العقود الأخيرة .ورغم بروز الاهتمام بالشعر المكتوب باللغة العربية الفصحى 0 فان ولع الناس بالشعر الشعبي ظل مستمرا 0 وهو أمر يدل على النوع من الشعر لا يزال يؤدي دورا مطلوبا 00 وربما يكون سبب ذلك هو أن هذا الشعر يتميز بالصدق الفني والبعد عن التكلف والزخرفة اللغوية المستمدة من خارج القاموس اللغوي الذي يفهمه ويتفاعل معه الإنسان العادي00 في ظل هذا الواقع ظلت رغبة شديدة تلح علي منذ سنوات طويلة لجمع بعض أشعار أهل الجوف 0 وتقديمها إلى القراء في كتاب0 لكنني ظللت طيلة السنوات الماضية مترددا في تنفيذ هذا المشروع رغم اهتمامي بجمع مادته وتراكم عدد كبير من القصائد لدي0 ولم تكن مشاغل الحياة وحدها هي العائق الذي منعني من تنفيذ هذا المشروع وإنما كانت هناك أسباب أخرى أهمها منهجية الاختيار التي يتعين علي إتباعها في ظل تغير الواقع الاجتماعي والثقافي واختلاف المعايير والظروف والمعطيات رغم أن بعض القصائد –من المنظور الفني البحت –هي مما يمكن الاتفاق على جودته وعلى عمق وغزارة موهبة قائليها 0 وعلى سبيل المثال 0 فان الكثير من القصائد القديمة قد داخلها بعض التحريف 0 وبعضها تداخل مع قصائد أخرى 0 بينما تم نسب البعض الآخر منها إلى أشخاص غير الذين قالوها 00 كما أن بعضها قد لا يخلو من نعرات تجاوزها الواقع الحاضر وحتى القاموس اللغوي المستخدم في بعض القصائد يلاحظ انه يحتوي أحيانا على عبارات لم تعد مقبولة من منظور اجتماعي معين 0 وقد يرى البعض أن هذه الملابسات ربما تبدو مغرية للغوص في تحليلها من منظور النقد الأدبي أو حتى من منظور القراءة التاريخية الفاحصة00 وقد يكون هذا صحيحا إلى حد ما  0 لكن هذا الكتاب ربما ليس هو المكان المناسب لمناقشتها 00 كما أن التوقيت نفسه قد لا يكون مناسبا 00 بالإضافة إلى ذلك 0 فان العديد من الأصدقاء والإخوة الذي يحسنون بي الظن يطلبون مني بين الحين والآخر أن انشر أشعاري الخاصة التي فضلت دائما الاحتفاظ بها لنفسي أو ما يردده الناس في بعض المناسبات وقد أحجمت نشرها طيلة الفترة الماضية لأسباب عديدة 0 منها أن الشعر الشعبي كثيرا ما يتعرض للتشويه عند الطباعة والنشر    0 لأنه أدب محكي أكثر مما هو مكتوب  ، كما أن الساحة أصبحت مكتظة جدا بمن ينتسب الى هذا النوع من الأدب الشعبي بغض النظر عن مستوى عطاءاتهم00 ولهذا لم أجد حافزا للنشر000



 والحاصل أن ظروفا عديدة قد أعاقت تنفيذ هذا المشروع 00 لكنني تحت إلحاح الأبناء وبعض الأصدقاء قررت أخيرا تنفيذه 0 مع تجنب كل ما قد يكون موضع اختلاف وخصوصا بين أهل المنطقة أنفسهم 0  وقد استقر الرأي على أن يكون التركيز على قصائدي التي قلتها في مناسبات مختلفة00 وبذلك يكون هدف الحفظ والتوثيق قد تحقق ان شاء الله0مع الاعتراف بوجود مساحة للإضافة والمراجعة في أعمال قادمة 0 بحول الله0سواء قمت بها او قام بها آخرون 000 لقد سعيت أثناء تحضير وإعداد مادة هذا الكتاب الى توسيع دائرة المشمولين فيه وان لا استثني أيا من الشعراء البارين والمعروفين ممن انتقلوا الى رحمة الله وتوقف عطاؤهم 0 لكنني اصطدمت ببعض العقبات 0 ومن أهمها ان بعض هؤلاء الشعراء كانوا- في حياتهم-لا يرغبون في تسجيل او كتابة أشعارهم وذلك لأسباب تخصهم او أنهم لم يحرصوا على توثيقها بشكل متكامل فضاعت او تداخلت مع أشعار اخرى0 او حتى تم انتحالها من قبل اشخاص اخرين وقد حاولت ان احصل على انتاجهم الشعري من أبنائهم فكان البعض متعاونا لكن البعض الاخر لم يتعاون او أفاد بأنه لا يحتفظ بهذا الاشعار00 ومع ذلك فقد حرصت على رصد بعض المقتطفات التي كنت احتفظ بها في أرشيفي الخاص لعدد من هؤلاء الشعراء وإيرادها في قسم خاص من هذا الكتاب وذلك سعيا إلى تقديم صورة اقرب إلى شمولية بقدر الامكان00

سوف يلاحظ القارئ بالطبع أن القصائد التي يحتوي عليها هذا الكتاب تعكس الخصائص الطبيعة والسكانية والثقافية للمنطقة00 فمنطقة الجوف تقع شمالي الجزيرة العربية في ملتقى سكك القوافل التجارية التي تربط الجزيرة بالمناطق المتاخمة لها من الشمال00 وقد لعبت دورا كبيرا في هذا المجال منذ فجر التاريخ 00 وذلك ما تثبته النقوش و الأحافير والآثار والنصوص الموجودة في المنطقة وخارجها00 كما أن المنطقة اشتهرت بمياهها العذبة وتربتها الخصبة وإنتاجها الزراعي المتنوع وخصوصا التمر وفي مقدمتها"حلوة الجوف" المشهورة00

وتعتبر المنطقة نقطة التقاء بين مزيج من سكان الحاضرة والبوادي كما أن موقعها المميز جعلها ساحة للكثير من الحروب والنزاعات منذ تاريخ مبكر من الحضارة الإنسانية 0 وقد اشتهر سكان المنطقة بالكرم والشهامة والانفة00 وتسجيل أشعارهم كثيرا من هذا الخصائص التي وردت أيضا في قصائد شعراء من خارج المنطقة ممن مروا بالمنطقة في قوافل التجار والمسافرين وكذلك وردت في كتب الرحالة الأجانب الذين زاروا المنطقة في أوقات وحقب مختلفة000

أتطلع أن يسهم هذا الكتاب في سد الفراغ القائم في مجال توثيق أشعار أهل منطقة الجوف   0 فعلى الرغم من وجود بعض الجهود المتفرقة والمتناثرة وبعض الدواوين الشعرية الخاصة التي أصدرها شعراء معاصرون من أبناء المنطقة0 فان أشعار أهل منطقة الجوف لم يتم جمعها في كتاب واحد وفق منهجية 00 ولعل هذا الكتاب يحقق شيئا من تطلعي وربما تطلع أبناء المنطقة0 وكل محب للأدب الشعبي0وخصوصا الشعر

000

خالد الحميد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق